مفهوم الأنثروبولوجيا، طبيعتها و أهدافها

أولاً- مفهوم الأنثروبولوجيا 

ثانياً- طبيعة الأنثروبولوجيا

ثالثاً- أهدافالأنثروبولوجيا 


مفهوم الأنثروبولوجيا، طبيعتها و أهدافها مقدّمــة :
يجمع الباحثون في علم " الأنثروبولوجيا " على أنّه علم حديث العهد، إذا ما قيس ببعض العلوم الأخرى كالفلسفةوالطب والفلك .. وغيرها. إلاّ أنّ البحث في شؤون الإنسان والمجتمعات الإنسانية قديمقدم الإنسان، مذ وعى ذاته وبدأ يسعى للتفاعل الإيجابي مع بيئته الطبيعيةوالاجتماعية .
لقد درج العلماء والفلاسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخالإنساني، على وضع نظريات عن طبيعة المجتمعات البشرية، وما يدخل في نسيجها وأبنيتهامن دين أو سلالة، ومن ثمّ تقسيم كلّ مجتمع إلى طبقات بحسب عاداتها ومشاعرهاومصالحها. وقد أسهمت الرحلات التجارية والاكتشافية، وأيضاً الحروب، بدور هام فيحدوث الاتصالات المختلفة بين الشعوب والمجتمعات البشرية، حيث قرّبت فيما بينهاوأتاحت معرفة كلّ منها بالآخر، ولا سيّما ما يتعلّق باللغة والتقاليد والقيم .. ولذلك، فمن الصعوبة بمكان، تحديد تاريخ معيّن لبداية الأنثروبولوجيا.

أولاً-مفهوم الأنثروبولوجيا 

إنّ لفظة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنكليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين : أنثروبوسAnthropos ، ومعناه " الإنسان " و لوجوس Locos، ومعناه " علم ". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيثاللفظ " علم الإنسان " أي العلم الذي يدرس الإنسان .
(Nicholson, 1968, P.1)
ولذلك، تعرّف الأنثروبولوجيا، بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هوكائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة .. ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو أيضاً العلم الذي يدرس الحياةالبدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان معتمداً علىتطوّره عبر التاريخ الإنساني الطويل. . ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً متطوّراً، يدرس الإنسان وسلوكه وأعماله (أبو هلال، 1974، ص 9)
وتعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، بأنّها علم (الأناسة) العلم الذي يدرس الإنسانكمخلوق، ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنّه الوحيد من الأنواعالحيوانية كلّها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعاً .( الجباوي، 1997، ص 9)
كما تعرّف الأنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأنّها " علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً " (سليم، 1981، ص 56) أي أنّالأنثروبولوجيا لا تدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته، أو منعماوال عن أبناء جنسه، إنّماتدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يحيا في مجتمع معيّن لـه ميزاته الخاصة فيمكان وزمان معينين .
فالأنثروبولوجيا بوصفها دراسة للإنسان في أبعاده المختلفة،البيوفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فهي علم شامل يجمع بين ميادين ومجالاتمتباينة ومختلفة بعضها عن بعض، اختلاف علم التشريح عن تاريخ تطوّر الجنس البشريوالجماعات العرقية، وعن دراسة النظم الاجتماعية من سياسيّة واقتصادية وقرابيةودينية وقانونية، وما إليها .. وكذلك عن الإبداع الإنساني في مجالات الثقافةالمتنّوعة التي تشمل : التراث الفكري وأنماط القيم وأنساق الفكر والإبداع الأدبيوالفني، بل والعادات والتقاليد ومظاهر السلوك في المجتمعات الإنسانية المختلفة، وإنكانت لا تزال تعطي عناية خاصة للمجتمعات التقليدية. (أبو زيد، 2001، ص 7)
وهذايتوافق مع تعريف / تايلور/ الذي يرى أنّ الأنثروبولوجيا : "هي الدراسة البيوثقافيةالمقارنة للإنسان " إذ تحاول الكشف عن العلاقة بين المظاهر البيولوجية الموروثةللإنسان، وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية. وبهذا المعنى، تتناولالأنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم والتخصّصات التي تتعلّق بالإنسان .

ثانياً-طبيعة الأنثروبولوجيا 

إنّ الشعوب الناطقة باللغة الإنكليزيةجميعها، تطلق على علم الأنثروبولوجيا : " علم الإنسان وأعماله " بينما يطلق المصطلحذاته في البلدان الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية، على " دراسة الخصائص الجسميةللإنسان". ويصل هذا الاختلاف إلى طبيعة علم الأنثروبولوجيا .. فبينما يعني فيأوروبا، الأنثروبولوجيا الفيزيقية، وينظر إلى علمي الآثار واللغويات كفرعينمنفصلين، فإنّ الأمريكيين يستخدمون مصطلح (الإثنولوجيا أو الإثنوغرافيا) لوصف (الإثنوجرافيا الثقافية) والتي يطلق عليها البريطانيون (الأنثروبولوجيا الاجتماعية) .
ففي إنكلترا مثلاً، يطلق مصطلح الأنثروبولوجيا، على دراسة الشعوب وكياناتهاالاجتماعية، مع ميل خاص للتأكيد على دراسة الشعوب البدائية. أمّا في أمريكا، فيرىالعلماء أنّ الأنثروبولوجيا، هي علم دراسة الثقافات البشرية البدائية والمعاصرة، فيحين أنّ علماء فرنسا يعنون بهذا المصطلح، دراسة الإنسان من الناحية الطبيعية، أي " العضوية " .( كلوكهون، 1964، 209 )
فعلم الأنثروبولوجيا يركّز اهتمامه على كائنواحد، هو الإنسان، ويحاول فهم أنواع الظاهرات المختلفة التي تؤثّر فيه .. في حينتركّز العلوم الأخرى اهتمامها على أنواع محدّدة من الظاهرات أنّى وجدت في الطبيعة .وكان علم الأنثروبولوجيا، وما زال، يحاول فهم كلّ ما يمكن فهمه أو معرفته عن طبيعةهذا المخلوق الغريب الذي يسير على قدمين، وكذلك فهم سلوكه الذي يفوق طبيعته الجسميةغرابة .
ومع أنّ علماء الأنثروبولوجيا، استطاعوا استخدام بعض الأساليب التيطوّرتها العلوم الاجتماعية، فإنّهم قلّما اضطروا إلى انتظار تطوّر مثل هذه الأساليب .. والواقع أنّ إسهامهم في تطوّر العلوم الاجتماعية، لا يقلّ شأناً عن إسهام هذهالعلوم في تطوّر الأنثروبولوجيا. ولذلك، ينقسم علم الأنثروبولوجيا إلى قسمينأساسيين كبيرين : يبحث الأول في الإنسان، ويعرف بالأنثروبولوجيا الطبيعية، في حينيبحث الثاني في أعمال الإنسان، ويعرف بالأنثروبولوجيا الثقافية / الحضارية .( لينتون، 1967، ص 15-16)
واستناداً إلى هذه المنطلقات، فقد حدّدت الباحثةالأمريكية / مارغريت ميد/ طبيعة علم الأنثروبولوجيا وأبعاده، بقولها : " إنّنانصنّف الخصائص الإنسانية للجنس البشري (البيولوجية والثقافية) كأنساق مترابطةومتغيّرة، وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطوّرة. كما نهتمّ أيضاً بوصف النظمالاجتماعية والتكنولوجية وتحليلها، إضافة إلى البحث في الإدراك العقلي للإنسانوابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته. وبصفة عامة، نسعى – نحن الأنثروبولوجيين –لتفسير نتائج دراساتنا والربط فيما بينها في إطار نظريات التطوّر، أو ضمن مفهومالوحدة النفسيّة المشتركة بين البشر .."( Mead, 1973, p.280)
وتأسيساً على ماتقدّم، فإنّ الأنثروبولوجيا هي العلم الذي يدرس الإنسان، ويدرس أوجه الشبه وأوجهالاختلاف بينه وبين الكائنات الحيّة الأخرى من جهة، وأوجه الشبه والاختلاف بينالإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى.
وفي الوقت ذاته، يدرس السلوك الإنساني ضمنالإطار الثقافي والاجتماعي بوجه عام. فلا تهتمّ الأنثروبولوجيا بالإنسان الفرد، كماتفعل الفيزيولوجيا أو علم النفس، وإنّما تهتمّ بالإنسان الذي يعيش في جماعاتوأجناس، وتدرس الناس في أحداثهم وأفعالهم الحياتية .

ثالثاً- أهداف دراسة الأنثروبولوجيا 

استناداً إلى مفهوم الانثروبولوجيا وطبيعتها، فإنّ دراستهاتحقّق مجموعة من الأهداف، يمكن حصرها في الأمور التالية :
3/1- وصف مظاهرالحياة البشرية والحضارية وصفاً دقيقاً، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة أوالجماعة المدروسة، وتسجيل كلّ ما يقوم به أفرادها من سلوكات في تعاملهم، في الحياةاليوميّة .
3/2- تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسةواقعية، وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة، في سياق الترتيب التطوّري الحضاريالعام للإنسان : (بدائي- زراعي- صناعي – معرفي – تكنولوجي)
3/3- تحديد أصولالتغيّر الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغيّر وعملياته بدقّة علمية .. وذلكبالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغييرالمختلفة .
4/3- استنتاج المؤشّرات والتوقعّات لاتّجاه التغيير المحتمل، فيالظواهر الإنسانية / الحضارية التي تتمّم دراستها، وبالتصوّر بالتالي لإمكانيةالتنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة. (لينتون، 1964،ص15)
ويبدو أنّ التباين العرقي بين بني البشر، هو الخاصة البيولوجية التي تستأثرباهتمام العالِم الحديث، أكثر من سائر الخواص البيولوجية الأخرى عند الإنسان. ويبذلالمصنّفون العرقيون محاولات دائبة للتوصّل إلى تصنيف عرقي مثالي. فكان من نتائجانشغال علماء الأنثروبولوجيا الجسمية بمشكلة العرق، أن اكتسب مفهوم النوع (العرق) رسوخاً أعاق التفكير بالكائن البشري ذاته. فالأصناف العرقية البشرية ظلّت، وإلى عهدقريب، تعتبر كيانات ثابتة نسبياً، وقادرة على الصمود أمام تأثيرات البيئة أو قوىالتغيّر الفطرية.
ويلاحظ أنّ التطرّف في تمجيد فكرة العرق، أدّى إلى فرض عددمحدود من التصنيفات الصارمة على بني البشر الذين يمتازون بتنوّع لا حدّ له، وأدّىبالتالي إلى زج الأفراد في هذه التصنيفات، بصورة تطمس صفاتهم الأصلية الخاصة. (لينتون، 1967، ص 46)
إنّ اهتمام الأنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات الإنسانيةكلّها، وعلى المستويات الحضارية كافة، يعتبر منطلقاً أساسياً في فلسفة علمالأنثروبولوجيا وأهدافها. ولكن على الرغم من التوسّع في مجال الدراساتالأنثروبولوجية، فما زالت الاهتمامات التقليدية للأنثروبولوجيا، ولا سيّما وصفالثقافات وأسلوب حياة المجتمعات، ودراسة اللغات واللهجات المحلية وآثار ما قبلالتاريخ، تؤّكد ولا شك، تفرّد مجال الأنثروبولوجيا عمّا عداها من العلوم الأخرى،ولا سيّما علم الاجتماع. (فهيم، 1986، ص 35 )
ومن هنا كانت أهميّة الدراساتالأنثروبولوجية في تحديد صفات الكائنات البشرية، وإيجاد القواسم المشتركة فيمابينها، بعيداً عن التعصّب والأحكام المسبقة التي لا تستند إلى أية أصول علمية.
وإذا كان علم الأنثروبولوجيا، بدراساته المختلفة، قد استطاع أن ينجح في إثباتالكثير من الظواهر الخاصة بنشأة الإنسان وطبيعته، ومراحل تطوّره الثقافي / الحضاري،فإنّ أهمّ ما أثبته هو، أنّ الشعوب البشرية بأجناسها المتعدّدة، تتشابه إلى حدّالتطابق في طبيعتها الأساسية، ولا سيّما في النواحي العضوية والحيوية .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنظــــــر :
1-سليم، شاكر مصطفى : المدخل الى الانثروبولوجيا، مطبعة العاني، 1975 ، ص7
2-وصفي، عاطف : الانثروبولوجيا الاجتماعية، ط 2 ، دار النهضة العربية – بيروت، 1981، ص 10- 12
3- سليم ، شاكر مصطفى : المصدر السابق، ص 17.
4- المصدر نفسه ، ص17
5-وصفي، عاطف : المصدر السابق، 16- 17
6-سليم، شاكر مصطفى : المصدر السابق ، ص 17- 18
7-المصدر نفسه، ص18
8- النوري، قيس : المدخل الى علم الانسان، بغداد، 1983، ص33 – 34 – 90 – 93.
9-سليم، شاكر مصطفى: المصدر السابق ، ص 14 – 16
10-المصدر نفسه، ص 7 - 14


0 التعليقات: